ليتك تدري كم احبك
الفصل السادس
وكما وعدها أديب ظل على اتصال بها طيلة فترة سفره ولكن السفر لم يكن لأسبوع فقط بل أمتد لشهر وأخذ أديب يحادثها عن شوقه ..كانت أحاديثه التلفونية تشعرها بالراحة وفي آخر ليلة له في ألمانيا أخبرها بموعد حضوره فابتهجت وأخذن تسأله عن عمله فطمأنها ضاحكا وهو يقول :
" سار كل شئ على مايرام وربحت صفقة جديدة "
ابتهجت وهي تهنئه فقاطعها أديب وهو يقول :
" يا عزيزتي اشتقت لك سأحضر اليوم مساء ومعي هدايا كثيرة لك وأنا في غاية الشوق لأرى كل الهدايا عليك "
"ومتى ستكون في المنزل "
" دعيني أفكر سأكون لديك في تمام الحادية عشر فانتظريني فكم أنا بشوق لرؤيتك وتقبيلك و.."
فقاطعته ضاحكة وهي تقول :
" المهم أن تعود سالما "
ظلت سالي تشعر بالقلق وهي تنتظره داعية له بالسلامة وكما أخبرها فمع دقات الساعة الحادية عشر فتح الباب فعانقته على الفور فغمرها بقبلاته وحملها وهو يلف بها في أرجاء المنزل مما دفعها للضحك فضحك هو الآخر وهو يقول :
" أرغب في حمام دافئ ثم سأخبرك كم اشتقت لك رغم النعاس الذي يهاجمني "
فدخل الحمام مسرعا بينما ارتدت هي ملابس النوم واعدت كوبا الحليب وحين خرج استلم الكوب منها وأخذ يراقبها وهي تفرغ ملابسه وتعيد الحقيبة لمكانها وتحمل الملابس إلى حجرة الغسيل ففتح هو الحقيبة الكبيرة التي فوق الفراش وسكب كل ما بها على الفرش ليفاجئها وبالفعل تفاجأت سالي وهي ترى الكم الهائل من الهدايا فوقفت أمام السرير وسمعته يقول :
" أريد رؤية الملابس عليكي يا سالي "
فابتسمت سالي وهي تهمس :
" أديب لقد اشتريت الكثير من الملابس والمجوهرات و.."
" لا شئ يغلى عليكي "
فوضبت سالي الهدايا وبينما هي تضع العطور على طاولة الزينة اقترب وهو يحمل علبتين ضخمتين ويقول :
" عيد ميلاد سعيد ..هذه هديتي لك "
ابتهجت سالي وهي تهتف :
" ألم تنسى يوم مولدي "
"مستحيل أن أفعل هيا افتحيها "
فتحت سالي العلبة الأولى لتجد بها ثوب استحمام مع مجموعة كاملة من عطور الحمام أما العلبة الأخرى فعبارة عن فستان من الدانتلا المخرمة وقميص نوم جعل وجهها يحمر خجلا فضحك وهو يخفض كم قميصها فزجرته مما دفعه للضحك وهو يقول :
" أريدك أن ترتدي هذا القميص الآن "
حاولت اقناعه أنها سترتديه في يوم آخر لكنه رفض مما جعله ترتديه فأطلق أديب صفير طويل وهو يقول :
" تبدين رائعة "
فضحكت بخجل وهي تقترب منه وتقول :
" وأنت تبدو متعبا ولك أن تنام الآن و..
قطع رنين الهاتف حديثها فنظر إليه بضيق ثم توجه إليه ورفع السماعة يسأل عن المتحدث عرفت سالي أنها شقيقته فاقتربت منه حين أشار لها بالسماعة لتحدثها وأرادت أن تجلس على الكرسي لكنه جذبها لتجلس على حجره فوق السرير حاولت النهوض لكنه منعها فظلت جالسه وأخذت تحاول أن تبتعد عن شفتيه لكنها فشلت فابتسم وهو يرفعها لتستلقي على الفراش وخلع روبه المنزلي وهو يستلقى ويقبلها فوضعت كفها على شفتيه وسألتها :
" ومتى الحفلة ؟"
لمحت أديب وهو يعقد حاجبيه طيلة أشهر زفافها منه لم تخرج من المنزل إلا لوالدتها أو والدتها فقالت لشقيقته :
"سوف أسأل أديب إن كان .."
ولم تكمل عبارتها لأن أديب أخذ السماعة واعتذر عن حضورها لأنه متعب ولم يمنح شقيقته فرصة للكلام إذ أغلق السماعة بسرعة فتأملته سالي وهي تغمغم :
" مستبد مسيطر "
ضحك أديب وهم بالتحدث لكن الهاتف رن مجددا فشتم وهو يقول :
"إنها نشوى كم هي مزعجة "
ونهض وسحب سلك الهاتف فاعترضت سالي فاقترب منها وهو يهمس :
" سأضعه في الصباح فلست أريد أي مقاطعة "
واحتواها بقوة جعلتها تفكر فيه وحده ونامت ووجهه يملأ مخيلتها بالأفكار الجميلة .
* * *
مر شهرين على عودة أديب من ألمانيا ورغم مشاغله كان يجد الوقت للبقاء مع سالي والحديث معها ، لم يلاحظ أديب شيئا على سالي لكن سالي لاحظت واستغلت غيابه للتوجه إلى الطبيب الذي أكد لها ظنونها إنها حامل وفي بداية الشهر الثالث ..انتظرت سالي حضور أديب بلهفة وبعد أن جلسا في حجرة النوم اقتربت سالي منه وهي تهمس باسمه فأخفض الكتاب ونظر إليها بتساؤل فتنحنحت ثم ألقت مفاجأتها قائلة :
" أديب ..إني حامل في بداية الشهر الثالث "
" ماذا ؟؟" أسقط أديب الكتاب وهو يحدق في جسد سالي ثم نهضت واحتضنها وهو يقول :
" حقا ..سأصبح أبا"
صمتت سالي مفكرة ثم قالت :
" أظن ذلك مالم تريد أن تصبح أما "
فضحك أديب وقبلها ثم ساعدها على الاسترخاء فوق السرير وهاتف والديه يخبرهما بالخبر السعيد ثم التفت إلى سالي ووضع كفه على بطنها وهو يقول :
" سيأتي بعد ستة أشهر ..ابني يا سعادتي "
ابتسمت سالي وهي ترى مبلغ فرحته وسعادته وفكرت أن اهتمام أديب بها سيكون مصدر ازعاج لها ..
لم تستطع سالي أن تكبح ابتسامتها وهي ترى القلق مسوم على وجهه فضحكت وهي تقول :
" أديب ماذا بك ..إنه مجرد فحص وليس عملية "
نظر إليها أديب بغير اقتناع وانهمرت أسئلته على الطبيب وكأنه نسى كونه طبيبا من قبل لكن جميع الأسئلة تلاشت وقت رأى صورة طفله على الجهاز شاركته سالي الصمت وشملهما الصمت إلى أن عادا إلى المنزل وساعدها رغم إعتراضها على ابدال ملابسها ثم الاسترخاء على السرير وسألها :
" متى ستكون الولادة بالتحديد ؟"
تأملته سالي للحظة ثم قالت :
" بعد ثلاثة أشهر بإذن الله "
صمت أديب لمدة طويلة ثم قال بغته :
" سيكون الطفل بنت أم ولد ..إن كانت بنت أريد تسميتها أديم أما ولد فأريد تسميته محمد أو خالد أو محمود ما رأيك "
وافقته سالي وذهنها مشغول فاعتدل جالسا ثم قال :
" سنلعب لعبة الأسماء ما رأيك نذكر حرف ثم نذكر أول اسم يخطر على البال "
ولم ينتظر رأيها كالمعتاد إذ جلب ورقة وقلم وبدأ
"أ " صمتت سالي ثم قالت آلاء
وتوالت الحروف حتى وصل إلى حرف الفاء فقالت بلا تفكير أو تردد فريد
تصلب أديب في مكانه وضغط على القلم بقوة مما جعله ينكسر وقال بغضب مكتوم :
" لماذا هذا الإسم بالذات هو الذي ذكرتيه من غير تردد "
بللت سالي شفتيها وشعرت بالذعر وهي ترى مبلغ غضبه فهمست لتخفف الجو :
" خطر لي فجأة "
ألقى أديب القلم بعنف وهو يصيح بغضب والغيرة تملأ لهجته :
" لماذا هو .. لماذا هو بالذات يوجد فلاح ، فايد ، فايز فواز أو حتى فادي لماذا إسم شقيقي الأكبر فريد ..لماذا ؟؟"
لم تحتمل سالي مواجهة نظراته فأطرقت برأسها ولم تجبه ورأته وهو يتحرك كالأسد داخل قفص ثم سألها بغته :
" لقد رأيت صندوقا مغلقا داخل الدولاب ماذا به "
تفاجأت سالي من سؤاله ولم تعلم لماذا ذكر الصندوق فحركت كتفها وهي تهمس :
" لا شئ سوى أوراق قديمة "
" افتحيه الآن "
نظرت سالي إلى الصندوق بقلق ثم فتحته فسكبه أديب ثم أطلق زمجره غاضبة وقت رأى صور فريد وأخذ ينظر إليها ببرود ثم جذبها من يدها وهو يحمل الصندوق باليد الأخرى وسكبه في الحوض ثم قال :
" احرقيها يا سالي ..هيا "
فعلت سالي ما طلبه منها والألم ينبض بقلبها لكنه انتقل إلى جسدها حين أدارها لترى مبلغ الغضب في عينيه فانكمشت وهو يقول :
" لا داعي للخوف فأنت تحملين ابني وليس بيدي شئ ولكن بعد الولادة سيحدث بيننا حديث طويل آخر "
وانصرف من المنزل بأكمله مغلقا الباب وفاتحا آخر في قلبها أصابها بالبرد..
أدركت سالي مبلغ غضب أديب حين لم يعد إلى البيت وانفصل وأصبح ينام لوحده وعينيه تمتلئ بالغيرة والغضب كلما حدثته ولم يعد يتجاوب معها ..
والغريب أنها كانت تشتاق إليه كانت تقف عند باب الحجرة التي ينام بها وتتأمله بصمت ثم تعود لتنام وزاد شوقها إليه حين سافر دون أن يعلمها بالأمر ومع بلوغها الشهر التاسع انتقل والديه لمنزلها واستنكرت والدة أديب غيابه وسفره في هذا الوقت فاسترخت فوق الفراش وهي تحاول أن تتجاهل الألم وقالت بهدوء:
" إنه يعمل يا أماه ..كان الله معه "
فابتسمت والدته وهي تقول :
" تحبينه صحيح ؟ إنه ملي بالحيوية والنشاط ومحبوب من الجميع "
لم تجبها سالي بل قبضت على حافة الفراش بقوة مما دفع والدته لسؤالها :
" ما بك يا بنيتي ..ما بك ؟؟"
فتحت سالي عينيها بألم وهي تجيبها :
" ألم شديد يا أماه أشعر بأن أحشائي تقذف للخارج "
صاحت والدته تنادي زوجها الذي حضر بسرعة مستفسرا لكنه فهم كل شئ وذهب يعد السيارة بينما هبطت سالي الدرج بمعاونة والدة زوجها ببطء وما أن جلست في السيارة صاحت والدته :
" بسرعة يا أحمد لقد اقتربت ولادتها فكيس الماء تمزق إنها تلد "
وكالمجنون قاد السيارة إلى أن وصلا للمستشفى وانتقلت سالي لحجرة الولادة لتلد بعد نصف ساعة طفلا جميلا .
ابتسمت والدة أديب بحنان وهي تقبل سالي وتقول :
" مبارك ..مبارك جاءك عريس جميل لكن الويل لأديب مني "
بدا حزن مفاجئ على وجه سالي مما دفع والدته للصمت للحظة قبل أن تقول :
" سيعود من ألمانيا قريبا فلا تحزني "
ابتسمت سالي ابتسامة باهته أقلقت والدة أديب لكن هذا لم يمنعها من معاونتها وقت عادوا جميعا إلى المنزل وبدأت سالي تسترد قواها ..
* * *
بعد أسبوعين عاد أديب من ألمانيا مبتهجاً فقبل والديه بمرح وهو يضحك ويصف الهدايا التي أحضرها فضحكت والدته لكنها صمتت حين رأت سالي وهي تدخل الحجرة فغمزت لأديب وهي تسأله بمرح:
" أظنك تريدنا أن نختفي الآن أليس كذلك ؟؟"
ابتسم أديب ابتسامة باهته ثم تأمل سالي بصمت وهي تقترب منه بمهل وتحييه :
" مرحبا بك يا أديب ..لقد طالت غيبتك "
قبلها بهدوء ثم سألها عن حالها وحال الطفل فعقدت والدته حاجبيها وهي تقول :
" يالك من بارد يا أديب ..ما الذي حدث لك في ألمانيا ؟؟"
" لا شئ يا أمي ..عن أذنك لأرى ابني "
وأمسك بذراع سالي ودخل لحجرة نومهما واقترب بهدوء من الطفل النائم وظل واقفا يتأمل الصغير ثم التفت ونظر لسالي وسألها :
" كيف كانت ولادتك يا سالي ؟"
جلست على طرف الفراش وهي تجيبه بهدوء :
" الحمد لله على كل شئ "
" آسف لأني لم أكن هنا لحظة الولادة لكني كنت مشغولاً ببعض المعاملات"
أومأت برأسها بصمت فتنهد أديب وأخذ يخلع ملابسه فتنحنحت سالي وهي تقول :
" إن الحجرة التي كنت تنام بها ينام بها والداك ..لم أستطع أن أخبرهم بما جرى "
لم يعلق أديب بل سار إلى الحمام وغاب بداخله مما جعل سالي تدرك أن أديب مازال غاضباً ..
مرت أربعة أشهر وعادت سالي إلى جمالها رغم لمحة الحزن التي في عينيها والتي خففها الصغير كثيراً فأديب أصبح كالغائب لا تراه مشغول على الدوام يكتفي بإلقاء التحية ثم يعمل أو يلاعب صغيره لقد تعلق به كثيرا مما جعل سالي تفكر :
" هل سيطلقني ويتزوج من أخرى ..هل سيأخذ الطفل إنه يحبه كم أتمنى لو يبتسم لي كما يبتسم له "
تنهدت بصمت وأخذت ترتدي أجمل أثوابها وجلست على كرسي أمام الباب تنتظر وصوله سوف تضع حدا للأمر وغفت على الكرسي ..
فتح أديب الباب ووقف حين رأى سالي نائمة على الكرسي فأغلق الباب بهدوء وأخذ يتأملها بصمت وأخيرا اقترب منها وهمس بإسمها لكنها لم تتحرك فتنهد وهزها من كتفها ففتحت عيناها بمهل وحين رأت وجه أديب ابتسمت وأمسكت بعنقه وهي تهمس بإسمه بصوت لم يفارقه النعاس :
" لقد تأخرت كثيرا يا أديب الليلة "
فربت على كتفها وحاول أن يفك ذراعها من حول عنقه لكنها لم تتركه وهي تهمس :
" هل أحض لك العشاء أم.." قاطعها أديب بعنف وهو يلقي بذراعها بعيدا عنه وهو يصيح :
" لا أريد شئ ..اتركيني بسلام "
صدمت سالي وظلت تحدق بوجهه بصمت وقلبها يأن من الألم لقد شعرت بوحدة باردة قوية شعر أديب بالأسف وهو يرى الألم الذي ارتسم على وجهها لكنه ابتعد عنها فصاحت بألم :
" لماذا يا أديب تعاملني بهذه القسوة "
عقد حاجبيه وهو يقول :
" لست مستعدا أن أخذ شئ ليس ملكي "
" ليس ملكك؟"
" مادمت تحلمين بأخي ليلا ونهارا فأنا أبعد يدي عنك وظلي له حتى بعد الموت تعلقي بحبك له وتخيلي نومك معه وإذا أردت أن أترك المنزل وأذهب إلى منزل أخر أو تتركيه أنت وتذهبي لأهلك .."
لم يكمل عبارته لأن سالي أطلقت صرخة ألم وانهمرت دموعها واندفعت تركض واغلقت باب حجرة النوم فوصل إلى سمعه بكائها فوقف متصلبا وهو يدرك أنه قد جرحها بما قاله عن تركها للمنزل فأين ستذهب ..
لم تدري سالي كم بكت لأنها نامت ولم ترى أديب وهو يدخل ويأخذ ملابسه ويغادر بهدوء ..
استيقظت في اليوم التالي تعبة وظلت مستلقية تفكر في أديب كم اختلف لقد كان رائعا لقد حقق لها بعض أحلامها ولكنها أخطأت وهو لم يسامحها لأنه شديد الغيرة وافاقت من أفكارها على صوت طفلها فاستدارت نحوه وحملته لترضعه وهي تهدهده بلطف ..
" ظننتك نائمة " رفعت رأسها بسرعة نحو أديب الذي كان واقفا بجوار الباب يتأملها بهدوء فبللت شفتيها بينما أخذ هو يقترب منها ببطء وحمل الصغير بعد أن نام ووضعه في فراشه فنهضت هي بسرعة وهمست محاولة للمرة الأخيرة أن تصلح ما بينهما :
" أديب ..أنا آسفة صدقني "
التفت أديب ليواجهها فاقتربت منه بتوتر ووضعت رأسها على صدره وأحاطت خصره بذراعيها وهي تهمس :
" أشعر بالوحدة من غيرك يا أديب ..فأنت تملأ حياتي وقلبي بالحياة "
شعرت بذراعا أديب تحيطانها بلطف فرفعت رأسها تنظر إليه وعيناها تلمعان من التأثر ووقفت على أطراف اصابعها وقبلته على شفتيه بلطف وفجأة احتواها أديب بعنف وقوة وأخذ يقبلها بعاطفة افتقدتها لكنه توقف بغته وهو قول بغضب :
" لست رفيق بديل يا سالي ..أريدك زوجة لي بكامل عواطفك ربما كان خطأي أن تزوجتك يا أرملة أخي "
وخرج صافقا الباب بسرعة بالغة تاركا سالي واقفة تجاهد دموعها وشفتيها لا تنطقان بكلمة واحدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق